طول الأمل

يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه { صيد الخاطر}:
من أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته , فإنه ينتبه انتباها لا يوصف , ويقلق قلقا لا يحد , ويتلهف على زمانه الماضي.
ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته و يصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت و يكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف.
ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.
فالعاقل من مثّل تلك الساعة و عمل بمقتضى ذلك .
فإن لم يتهيأ تصوير ذلك على حقيقته تخايله على قدر يقظته.
فإنه يكف كف الهوى و يبعث على الجد.
فأما من كانت تلك الساعة نصب عينيه كان كالأسير لها .
قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر , فقال :إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر , فقال:و كأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر, نعوذ بالله من طول الأمل .
و ذكر رجل رجلا بين يديه بغيبة , فجعل معروف يقول له:
اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك
بسم الله .. أقول .. معتقداً واثقاً .. أن ما أراه من تصرفات معظم المسلمين من حولي يؤكد أنهم لايؤمنون بالبعث والحساب ..! , وأقول لو حارب علماء الدين .. الغيبة والكذب والنفاق والغش والعبث بالقيم والآداب العامة للمجتمع .. كما حاربو التدخين .. لارتقت مجتمعاتنا إلى مستوى المسئولية . فلو وجد علماء الدين تشريعاً يحرم التعامل والتواصل مع المغتاب والكاذب و… الخ , لرأينا الأخلاق رؤى العين على وجوه المسلمين . أما أن يخسر الصادق بصدقه أو لايكسب شيئاً , ويكسب الكاذب بكذبه أو لا يخسر شيئاً .. , فلن نصل إلى مجتمع مؤمن متحضر , لأننا بكل بساطة لانسير على الطريق . ولا أرى حرجاً في مدح الصدق والأمانة وعدم التكبر .. عند غير المسلمين ..فليتنا نذكر ذلك لهم باستمرار , كما نفعل بذكرنا لعيوبهم .. فعسى أن يقلدهم المقلدون منا .